عصا الشعر الرحيمة-عبد الغني فوزي - المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

عصا الشعر الرحيمة

  الشاعر والكاتب المغربي عبد الغني فوزي    

     جميل أن نحتفي بالشعر ، وأن نخصص له يوما كأي شأن ينبغي إحاطته بالاهتمام ؛ لمنح سيد الكلام امتداده الخلاق في الإنسان والحياة . وغير خاف ، أن الشعر هو جماع قيم نسبية وأخرى جوهرية ، الأولى متعلقة بتحققات شعرية مع شعراء ومدارس ورؤى ، والثانية مرتبطة بتلك القيم الجوهرية السارية في التلافيف والأشياء أو الأصول والأصوات التي تنفتح عليها القصيدة كأداة بحث دائم عن المفتقد والجوهري والطبيعي في مسيرة الإنسان الذي يبتعد عن ذاته ؛ وهو يخطو بكامل عدته العلمية نحو حتفه بمعنى ما . هنا تبقى كل التصورات حول الشعر نسبية ، على اعتبار أن المنجز الإبداعي يحاور بالأساس المتشكل والكائن، والمتخفي وراء الظواهر عبر سفر له مطاياه الخاصة ، منها الذات التي تغدو متأشكلة وفائضة عن القبضة الوظيفية . بهذا المعنى ، فزاد الطريق أساسي بالنسبة للشاعر لخلق ذاك السفر الدائري الذي تندغم معه الذات بالآخر كشرط حياة ووجود . القصيدة وفق هذا، تتعدد كأنفاس ( غنائي وملحمي... ) تمتص الامتداد وتشخص الشتات في حضن رؤيا تهذب التصريف ضمن زاوية ما ترقب العالم من نقطة ما ، وعلى حس دقيق بالمرحلة.
      لكن بتأملنا في يوم اليوم العالمي للشعر ، يبدو  أن المجتمع المدني ( الثقافي ) هو الذي ينهض بأعباء هذا الاحتفاء الرمزي ؛ لكن على الأرض في إطار البحث عن بنية تحتية ملائمة وجمهور منصت..وتغلب الملاحظة أن الاحتفاء يكون عبارة عن قراءات شعرية ضمن أمسيات غنائية كأن الأمر يدعو في عمقه إلى التراخي والكسل اللذيذ . وهو ما يقلل من شأن الشعر كرسالة وخطاب له خصوصيته. في المقابل ، الأمر يتطلب التدبر في الشعر : في أسئلته المتعددة في الإيصال ، في الإعلام ، في المؤسسة بتلاوينها المختلفة ، في الشعر والشعراء...فحين نكون في طريق هذا المسعى ، ينبغي التربية على الشعر ، وليس على تلقين يسعى لتبرير أدواته وأصوله النظرية . أكيد أن هذه التربية المفتقدة تدفع إلى خلق الإنصات للذات والأشياء المعتملة في الآخر. والشعر باعتباره يجدد الحياة واللغة ، بإمكانه أن يرفدنا دائما بلمسات ، تجعلنا على انفلات دوما ، وعلى تخلق ينبش في الأصول المنسية لأواصر تربط الأشياء في تناغم عميق سار في الإيقاع  ،في الموسيقى ، في الشعر، في حركات داخيلة لتشكيلات وجودية تنضح معنى وروحا .
   هناك إذن اكراهات وحيف مركب تجاه الشعر؛ تجعل هذا الأخير في الثلاجة . نوظفه تحت السقف الخفيض بمقدار، ووفق الهوى السياسي والتاريخي في التبرير والتعضيد للحقائق والمآزق الآنية والظرفية . لاحظوا كم يعتبر الشعر ملحا وسكرا للكثير من الخطب والإنشاءات الباردة. الشيء الذي يمنحها تلك الضربات المدغدغة للعواطف والمحمسة للنهوض ؛ لكن في سياق آخر. فقديما بإمكان بيت شعري واحد أن يحط أو يرفع من شأن قبيلة أو مقام ..الآن ، تحول التراكم الشعري إلى ركام لا نستظل ولا نستدل به.. مما جعل مسيرة سيد الكلام البلورية في المرحلة الراهنة معرضة للأعطاب من لدن سلاح استهلاكي ( بما فيه الاستهلاك الإيديولوجي ) يفرغ الإنسان من إنسانيته بكامل الفن الشائع والمائع . هذا فضلا عن الجوائز التي امتدت للأدب، وحولته إلى حلبة للأرانب التي استلذت الأمر وخاضت فيه مقابلات ومقابلات لا تفضي لأي أدب. وهو ما أدى إلى سوء فهم امتد بين الشاعر وقصيدته . فأصبحنا نتحدث عن الشاعر الأوحد والأكبر الذي يهندس المشهد الشعري ويطلق فتواه أيضا ، لمنح الشرعية الشعرية .
   الشعر أكبر من أي أحد، ومن أي تسطير أو ترميز . وكلنا نسعى إليه بما استطعنا إلى ذلك سبيلا. فلتعارفوا في الشعر، وتلك أولى الأصول المنسية .







 
  عبد الغني فوزي - المغرب (2011-03-24)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

عصا الشعر الرحيمة-عبد الغني فوزي - المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia